فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إلى صِرَاطِ العزيز الحميد} الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور فيما تقدم أعني قوله تعالى: {إِلَى النور} وقال غير واحد: إن: {صراط} بدل من: {النور} وأعيد عامله وكرر لفظًا ليدل على البدلية كما في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف: 75] ولا يضر الفصل بين البدل والمبدل منه بما قبله لأنه غير أجنبي إذ هو من معمولات العامل في المبدل منه على كل حال.
واستشكل هذا مع الاستعارة السابقة بأن التعقيب بالبدل لا يتقاعد عن التعقيب بالبيان في مثل قوله تعالى: {حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الابيض مِنَ الخيط الاسود مِنَ الفجر} [البقرة: 187] وأجيب بأن الصراط استعارة أخرى للهدى جعل نورًا أولًا لظهوره في نفسه واستضاءة الضلال في مهواة الهوى به، ثم جعل ثانيًا جادة مسلوكة مأمونة لا كبنيات الطرق دلالة على تمام الإرشاد.
وفي الإرشاد أن إخلال البيان والبدل بالاستعارة إنما هو في الحقيقة لا في المجاز وهو ظاهر، وجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقًا بمحذوف على أنه جواب سائل يسأل إلى أي نور؟ فقيل: {إلى صراط} إلى آخره، وإضافة الصراط إليه تعالى لأنه مقصده أو المبين له، وتخصيص الوصفين الجليلين بالذكر للترغيب في سلوكه إذ في ذلك إشارة إلى أنه يعز سالكه ويحمد سابله، وقال أبو حيان: النكتة في ذلك أنه لما ذكر قبل إنزاله تعالى لهذا الكتاب وإخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة لإنزاله مثل هذا الكتاب المعجز الذي لا يقدر عليه سواه، وصفة الحمد لإنعامه بأعظم النعم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ووجه التقديم والتأخير على هذا ظاهر.
وقال الإمام: إنما قدم ذكر: {العزيز} على ذكر: {الحميد} لأن الصحيح أن أول العلم بالله تعالى العلم بكونه تعالى قادرًا ثم بعد ذلك العلم بكونه عالمًا ثم بعد ذلك العلم بكونه غنيًا عن الحاجات، والعزيز هو القادر والحميد هو العالم الغني فلما كان العلم بكونه تعالى قادرًا متقدمًا على العلم بكونه عالمًا بالكل غنيًا عنه لا جرم قدم ذكر العزيز على ذكر الحميد اهـ ولم نر تفسير: {الحميد} بما ذكر لغيره، وفي المواقف وشرح أسماء الله تعالى الحسنى لحجة الإسلام الغزالي وغيرهما أن: {الحميد} هو المحمود المثنى عليه وهو سبحانه محمود بحمده لنفسه أزلًا وبحمد عباده له تعالى أبدًا، وبين هذا وما ذكره الإمام بعد بعيد، وأما ما ذكره في: {العزيز} فهو قول لبعضهم؛ وقيل: هو الذي لا مثل له.
وربما يقال على هذا: إن التقديم للاعتناء بالصفات السلبية كما يؤذن به قولهم: التخلية أولى من التحلية وكذا قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11] ولعل كلامه قدس سره بعد لا يخلو عن نظر.
{اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)}
وقوله تعالى: {اللَّهِ} بالرفع على ما قرأ نافع وابن عمر خبر مبتدأ محذوف أي هو الله والموصول الآتي صفته، وبالجر على قراءة باقي السبعة.
والأصمعي عن نافع بدل مما قبله في قول ابن عطية والحوفي وأبي البقاء، وعطف بيان في قول الزمخشري قال: لأنه أجرى مجرى الأسماء الأعلام لغلبته واختصاصه بالمعبود بحق كما غلب النجم على الثريا، ولعل جعله جاريًا مجرى ذلك ليس لاشتراطه في عطف البيان بل لأن عطف البيان شرطه إفادة زيادة إيضاح لمتبوعه وهي هنا بكونه كالعلم باختصاصه بالمعبود بحق وقد خرج عن الوصفية بذلك فليس صفة كالعزيز الحميد.
ثم أنه لا يخفى عليك أنه عند الأئمة المحققين علم لا أنه كالعلم، وعن ابن عصفور أنه لا تقدم صفة على موصوف إلا حيث سمع وذلك قليل، وللعرب فيما وجد من ذلك وجهان: أحدهما: أن تقدم الصفة وتبقيها على ما كانت عليه، وفي إعراب مثل هذا وجهان: أحدهما: إعرابه نعتًا مقدمًا.
والثاني: أن يجعل ما بعد الصفة بدلًا، والوجه الثاني: أن تضيف الصفة إلى الموصوف اهـ، وعلى هذا يجوز أن يكون: {العزيز الحميد} [ابراهيم: 1] صفتين متقدمتين ويعرب الاسم الجليل موصوفًا متأخرًا، ومما جاء فيه تقديم ما لو أخر لكان صفة وتأخير ما لو قدم لكان موصوفًا قوله:
والمؤمن العائذات الطير يمسحها ** ركبان مكة بين الغيل والسعد

فلو جاء على الكثير لكان التركيب والمؤمن الطير العائذات، ومثله قوله:
لو كنت ذا نبل وذا تشديب ** لم أخش شدات الخبيث الذيب

وجوز في قراءة الرفع كون الاسم الجليل مبتدأ وقوله تعالى: {الذى لَهُ} أي ملكًا وملكًا: {مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} خبره وما تقدم أولى، فإن في الوصفية من بيان كمال فخامة شأن الصراط وإظهار تحتم سلوكه على الناس ما ليس في الخبرية، والمراد بما في السموات وما في الأرض ما وجد داخلًا فيهما أو خارجًا عنهما متمكنًا فيهما، ومن الناس من استدل بعموم: {مَا} على أن أفعال العباد مخلوقة له تعالى كما ذكره الإمام، وقوله تعالى: {وَوَيْلٌ للكافرين} وعيد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور بالويل.
وهو عند بعض نقيض الوأل بالهمز بمعنى النجاة فمعناه الهلاك فهو مصدر إلا أنه لا يشتق منه فعل إنما يقال: ويلا له فينصب نصب المصادر ثم يرفع رفعها لإفادة معنى الثبات فيقال: ويل له كسلام عليك، وقال الراغب: قال الأصمعي ويل قبوح وقد يستعمل للتحسر، وويس استصغتر، وويح ترحم، ومن قال: هو واد في جهنم لم يرد أنه في اللغة موضوع لذلك وإنما أراد أن من قال الله تعالى فيه ذلك فقد استحق مقرًا من النار وثبت له ذلك، وقوله سبحانه: {مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} في موضع الصفة لويل ولا يضر الفصل على ما في البحر وغيره بالخبر، وجوز أن يكون في موضع الحال على ما في الحواشي الهشابية و: {مِنْ} بيانية، وجوز أن تكون ابتدائية على معنى أن الويل بمعنى عدم النجاة متصل بالعذاب الشديد وناشيء عنه، وقيل إن الجار متعلق: بويل على معنى أنهم يولولون من العذاب ويضجون منه قائلين يا ويلاه كقوله تعالى: {دَعَوْاْ هُنَالِكَ لَكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13] ومنع أبو حيان وأبو البقاء ذلك لما فيه من الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر وهو لا يجوز، وقد مر قريبًا في الرعد ما يتعلق بذلك فتذكر فما في العهد من قدم.
وفي الكشاف أن: {مِنْ عَذَابِ} الخ متصل بالويل على معنى أنهم يولولون إلى آخر ما ذكرنا، وهو محتمل لتعلقه به ولتعلقه بمحذوف، واستظهر هذا في البحر.
وفي الكشف أن الزمخشري لما رأى أن الويل من الذنوب لا من العذاب كما يرشد إليه قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لَّهُمْ مّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة: 79] وأمثاله أشار هنا إلى أن الاتصال معنوي لا من ذلك الوجه فإنه هناك جعل الويل نفس العذاب وهنا جعله تلفظهم بكلمة التلهف من شدة العذاب وكلاهما صحيح، ولم يرد أن هنالك فصلًا بالخبر لقرب ما مر في قوله تعالى: {سلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 24] اهـ.
واعترض عليه بأنه لا حاجة لما ذكر من التكلف لأن اتصاله به ظاهر لا يحتاج إلى صرفه للتلفظ بتلك الكلمة، و: {مِنْ} بيانية لا إبتدائية حتى يحتاج إلى ما ذكر، ولا يخفى قوة ذلك وأنه لا يحتاج إلى التكلف ولو جعلت: {مِنْ} ابتدائية فتأمل، والظاهر أن المراد بالعذاب الشديد عذاب الآخرة، وجوز أن يكون المراد عذابًا يقع بهم في الدنيا.
{الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ}
أي يختارونها عليها فإن المختار للشيء يطلب من نفسه أن يكون أحب إليه من غيره، فالسين للطلب، والمحبة مجاز مرسل عن الاختيار والإيثار بعلاقة اللزوم في الجملة فلا يضر وجود أحدهما بدون الآخر كاختيار المريض الدواء المر لنفعه وترك ما يحبه ويشتهيه من الأطعمة اللذيذة لضرره، ولاعتبار التجوز عدى الفعل بعلى ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل كاستجاب بمعنى أجاب والفعل مضمن معنى الاختيار والتعدية بعلى لذلك: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} يعوقون الناس ويمنعونهم عن دين الله تعالى والإيمان به وهو الصراط الذي بين شأنه، والاقتصار على الإضافة إلى الاسم الجليل المنطوي على كل وصف جميل لزوم الاختصار.
وقرأ الحسن: {يَصِدُّونَ} من أصد المنقول من صده صدود إذا تنكب وحاد وهو ليس بفصيح بالنسبة إلى القراءة الأخرى لأن في صده مندوحة عن تكلف النقل ولا محذور في كون القراءة المتواترة أفصح من غيرها، ومن مجيء أصد قوله:
أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم ** صدود السواقي عن أنوف الحوائم

ونظير هذا وقفه وأوقفه: {وَيَبْغُونَهَا} أي يبغون لها فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير أي يطلبون لها: {عِوَجَا} أي زيغًا واعوجاجًا وهي أبعد شيء عن ذلك أي يقولون لمن يريدون صده وإضلاله عن السبيل هي سبيل ناكبة وزائغة غير مستقيمة، وقيل: المعنى يطلبون أن يروا فيها ما يكون عوجًا قادحًا فيها كقول من لم يصل إلى العنقود وليسوا بواجدين ذلك، وكلا المعنيين أنسب مما قيل: إن المعنى يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة.
ومحل موصول هذه الصلات الجر على أنه بدل كما قيل من: {الكافرين} [إبراهيم: 2] فيعتبر كل وصف من أوصافهم بما يناسبه من المعاني المعتبرة في الصراط، فالكفر المنبئ عن الستر بإزاء كونه نورًا، واستحباب الحياة الدنيا الفانية المفصحة عن وخامة العاقبة بمقابلة كون مسلوكه محمود العاقبة، والصد عنه بإزاء كونه سالكه عزيزًا.
وقال الحوفي.
وأبو البقاء: إنه صفة: {الكافرين} ورد ذلك أبو حيان بأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي وهو: {مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم: 2] سواء كان في موضع الصفة لويل أو متعلقًا بمحذوف، ونظير ذلك على الوصفية قولك: الدار لزيد الحسنة القرشي وهو لا يجوز لأنك قد فصلت بين زيد وصفته بأجنبي عنهما، والتركيب الصحيح فيه أن يقال: الدار الحسنة لزيد القرشي أو الدار لزيد القرشي الحسنة، وقيل إذا جعل: {مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم: 2] خبر مبتدأ محذوف والجملة اعتراضية لا يضر الفصل بها وهو كما ترى، وجوز أن يكون محله النصب على الذم أو الرفع عليه بأن يقدر أنه كان نعتًا فقطع أي هم الذين، وجوز أن لا يقدر ذلك ويجعل مبتدأ خبره قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ في ضلال} أي بعد عن الحق: {بَعِيدٍ} وهو على غير هذا الوجه استئناف في موضع التعليل، وفيه تأكيد لما أشعر به بناء الحكم على الموصول، والمراد أنهم قد ضلوا عن الحق ووقعوا عنه بمراحل.
وفي الآية من المبالغة في ضلالهم ما لا يخفى حيث أسند فيها إلى المصدر ما هو لصاحبه مجازًا كجد جده إلا أن الفرق بين ما نحن فيه وذاك أن المسند إليه في الأول مصدر غير المسند وفي ذاك مصدره وليس بينهما بعد.
ويجوز أن يقال: إنه أسند فيها ما للشخص إلى سبب إتصافه بما وصف به بناء على أن البعد في الحقيقة صفة له باعتبار بعد مكانه عن مقصده وسبب بعده ضلاله لأنه لو لم يضل لم يبعد عنه، فيكون كقولك: قتل فلانًا عصيانه، والإسناد مجازي وفيه المبالغة المذكورة أيضًا، وفي الكشاف هو من الإسناد المجازي والبعد في الحقيقة للضال فوصف به فعله، ويجوز أن يراد في ضلال ذي بعد أو فيه بعد لأن الضال قد يضل عن الطريق مكانًا قريبًا وبعيدًا، وكتب عليه في الكشف أن الإسناد المجازي على جعل البعد لصاحب الضلال لأنه الذي يتباعد عن طريق الضلال فوصف ضلاله بوصفه مبالغة وليس المراد إبعادهم في الضلال وتعمقهم فيه.
وأما قوله: فيجوز أن يراد في ضلال ذي بعد فعلى هذا البعد صفة للضلال حقيقة بمعنى بعد غوره وأنه هاوية لا نهاية لها، وقوله: أو فيه بعد على جعل الضلال مستقرًا للبعد بمنزلة مكان بعيد عن الجادة وهو معنى بعده في نفسه عن الحق لتضادهما، وإليه الإشارة بقوله: لأن الضال قد يضل مكانًا بعيدًا وقريبًا، والغرض بيان غاية التضاد وأنه بعد لا يوازن وزانه، وعلى جميع التقادير البعد مستفاد من البعد المسافي إلى تفاوت ما بين الحق والباطل أو ما بين أهلهما وجاز أن يكون قوله: ذي بعد أو فيه بعد وجهًا واحدًا إشارة إلى الملابسة بين الضلال والبعد لا بواسطة صاحب الضلال لكن الأول أولى تكثيرًا للفائدة، ثم قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ في ضلال} دون أن يقول سبحانه: أولئك ضالون ضلالًا بعيدًا للدلالة على تمكنهم فيه تمكن المظروف في الظرف وتصوير اشتمال الضلال عليهم اشتمال المحيط على المحاط وليكون كناية بالغة في إثبات الوصف أعني الضلال على الأوجه فافهم. اهـ.

.قال القاسمي:

{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [1].
{الَر كِتَابٌ} خبر لـ {آلر} على كونه مبتدأ. أو خبر لمحذوف على كونه خبرًا لمضمر، أو مسرودًا على نمط التعديد. وقوله تعالى: {أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} صفة له: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي: من الضلال إلى الهدى: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي: أمره. وقوله تعالى: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} بدل من قوله: {إِلَى النُّورِ} بتكرير العامل. أو مستأنف، كأنه قيل: إلى أي: نور؟ فقيل: {إِلَى صِرَاطِ} الخ و: {الْعَزِيزِ} الذي لا يغالب ولا يمانع بل هو القاهر القادر. و: {الْحَميدِ} المحمود في أمره ونهيه لإنعامه فيهما بأعظم النعم.
{اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} قرئ لفظ الجلالة بالرفع على الابتداء وخبره ما بعده. أو على الخبرية لمحذوف. وقرئ بالجر، عطف بيان لـ: {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}: {وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ} أي: بما أنزلناه إليك: {مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} يوم القيامة وهو عذاب النار.
{الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} أي: يؤثرونها عليها: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} بتعويق الناس عن الإيمان: {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} أي: يصفونها بالانحراف عن الحق والصواب، أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة، أو يبغون لها اعوجاجًا، أي: يطلبون أن يروا فيها عوجًا قادحًا، على الحذف والإيصال: {أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} أي: ضلوا عن طريق الحق ووقفوا دونه بمراحل، والبعد في الحقيقة للضال نفسه، وصف به فعله للمبالغة بجعل الضلال نفسه ضالًا. وفي إيثار الظرف على أولئك ضالون ضلالًا بعيدًا دلالة على تمكنهم فيه، باشتماله عليهم اشتمال المحيط على المحاط، مبالغة في إثبات وصف الضلال. اهـ.